المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة الامير عبدالله بن عبدالعزيز لمجلس التعاون الخليجي



alharbi
01-01-2002, Tue 4:06 PM
هل ما يدور الآن في فلسطين من قمع دموي سيحدث لو أن إسرائيل وجدت أمامها أمة متضامنة؟
«الشرق الأوسط»

دعا الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء السعودي المسلمين جميعا الى ادانة الاعمال الارهابية كافة دون لبس وغموض وادانة من يؤازرها بقول او فعل، وتبيان الفرق الشاسع والواضح بينها وبين النضال الوطني المشروع في سبيل تقرير المصير.

وقال الأمير عبد الله في كلمة وجهها في الجلسة المغلقة الاولى للقمة الخليجية التي بدأت اعمالها في العاصمة العمانية، مسقط، مساء امس ان الأمة العربية والاسلامية تضررت ابلغ الضرر بسبب تصرفات رعناء لقتلة رفعوا شعارات الاسلام والاسلام منهم براء وادعوا نصرة الأمة العربية والاسلامية، والأمة هي الضحية الاولى لاجرامهم وعبثهم.

وقال الأمير عبد الله ان المشاهد الأليمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني تحتم على الأمة العربية والاسلامية ان تواجه مسؤولياتها التاريخية التي تتطلب محاسبة النفس قبل محاسبة الغير.

ودعا الأمير عبد الله ان ينصب الجهد على اصلاح البيت العربي والاسلامي وجعله قادرا على مواجهة التحديات.
وقال

اننا لا نتجاوز الحقيقة اذا اعترفنا اننا جميعا اخطأنا بحق أمتنا الكبرى حين سمحنا لعلاقاتنا العربية والاسلامية ان تكون قائمة على الشك وسوء الظن بدلا من المفاتحة والمصارحة

وحين نشدنا العون من الغريب ونسينا القريب

وحين فتحنا اسواقنا وبيوتنا لمنتجات الآخرين وسددناها امام المنتجات العربية والاسلامية،

وحين اجزنا لأنفسنا ان نعزو كل نكسة من نكساتنا الى مؤامرة تجيء من وراء الحدود والى استعمار لا يزال يسكن العقول والارواح.

وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله القائل في محكم كتابه: «يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر»،

والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أصحاب الجلالة والسمو: قادة مجلس التعاون.
أيها الأخوة الكرام.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:.

أحييكم جميعا باسم أخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وأشكر أخي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، واعضاء حكومته وشعب عمان الشقيق، على حفاوة الاستقبال، سائلا الله ـ جلت قدرته ـ في أن يكلل لقاءنا هذا بالنجاح، وان يوفقنا الى ما فيه خير أمتينا العربية والاسلامية والعالم أجمع.

أيها الاخوة الكرام:

كم كان بودنا ان نجتمع اليوم في ظروف افضل من تلك التي تمر بها أمتنا العربية والاسلامية، وهي ظروف اقتضت ارادة الخالق ـ عز وجل ـ أن يُمتحن فيها معدن الصابرين المؤمنين، من اشار لهم في كتابه العزيز فقال: «وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور».

فالمحن والكوارث، في حقيقة أمرها، فرص وتحديات تتطلب منا جميعا محاسبة النفس، ومراجعة المواقف، وإصلاح الخلل، لنخرج منها ـ بإذن الله ـ أقوى مما كنا عليه يوم دخلنا فيها. فالازمة القاتلة هي الوقوف امام الازمات مكتوفي الايدي، سليبي العزيمة، مُلقين باللوم على الآخرين، دون ان نتصدى لدورنا الكامل مع المسؤولية.

ان تغيير الواقع الأليم، لا يتسنى الا بتغيير انفسنا اولا، انصياعا وايمانا لقول الحق ـ جل جلاله ـ «إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم»، ومن هذه الرؤية الإلهية سوف يكون محور حديثي معكم اليوم.

أيها الأخوة الكرام:

ان أمتنا العربية والاسلامية تضررت ابلغ الضرر بسبب تصرفات رعناء لقتلة رفعوا شعارات الاسلام، والاسلام منهم براء. وادعوا نصرة الامة العربية والاسلامية، والامة هي الضحية الاولى لاجرامهم وعبثهم، لذلك فواجب المسلمين جميعا في هذه الظروف ادانة الاعمال الارهابية كافة، دون لبس او غموض، وادانة من يؤازرها بقول او فعل. وان يبينوا الفرق الشاسع والواضح بينها وبين النضال الوطني المشروع في سبيل تقرير المصير.

ان الاسلام هو دين التسامح والمحبة، ويعتبر قتل النفس البريئة كقتل الناس جميعا، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً»..

والاسلام يدعو الى ان يكون التعامل مع الآخر بالمجادلة الحسنى لقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، بل أن الله ـ جلت قدرته ـ خاطب موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ حينما بعثهما إلى فرعون فقال: «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى».

لذلك علينا أن نتعامل مع الآخرين بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، لنعكس من خلال تصرفاتنا سلوك المسلم الحقيقي، الذي قال عنه نبي الرحمة: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

أيها الأخوة الكرام: إذا ما حولنا انظارنا صوب أمتنا العربية والاسلامية، راعنا ما يحدث لأشقائنا في فلسطين الشقيقة من تدمير ومذابح دامية تتم تحت سمع العالم وبصره.
إن هذه المشاهد الاليمة تحتم على الامة العربية والاسلامية في مشارق الارض ومغاربها ان تواجه مسؤوليتها التاريخية، التي تتطلب محاسبة النفس قبل محاسبة الغير، ولا يكون ذلك الا بمواجهة اسئلة ملحة وخطيرة طالما تهربنا من مواجهتها في الماضي.

ماذا فعلنا نحو تحقيق المبادئ السامية التي قامت عليها جامعة الدول العربية؟

ـ ماذا فعلنا لتنفيذ معاهدة الدفاع المشترك؟
ـ ماذا فعلنا لتحقيق الوحدة الاقتصادية؟
ـ والسؤال الاهم هل ما يدور الآن في فلسطين من قمع دموي سيحدث لو ان اسرائيل وجدت امامها أمة عربية واسلامية متضامنة،
أمة موحدة الكلمة، والصف، والهدف.
أمة تتحرك عبر مؤسسات فاعلة وقوية مؤثرة.

أحسب أننا بطرح هذه الاسئلة نتلمس طريقنا الى الاجوبة، ومع الاجوبة الصحيحة نستطيع ـ بحول الله وقوته ـ الوصول الى اهدافنا الصحيحة.

ان وقتنا أثمن من ان نضيعه في استجداء الدول والمنظمات الدولية واستعطافها، وقد فعلنا هذا، عبر عقود طويلة الزمن، بلا جدوى، وجُهدنا أثمن من ان نهدره في شجب واستنكار، وقد قمنا بهذا، عبر عقود طويلة بلا فائدة. ان وقتنا كله يجب ان يكرس لمحاسبة النفس العربية والاسلامية على التقصير، وحثها على عدم تكرار الخطأ. وان جهدنا كله يجب ان ينصب على اصلاح البيت العربي والاسلامي وجعله قادرا على مواجهة التحديات. واحسبنا لا نتجاوز الحقيقة اذا اعترفنا اننا جميعا، ولا استثني احدا، بأننا اخطأنا في حق امتنا الكبرى حين سمحنا لعلاقتنا العربية والاسلامية ان تكون قائمة على الشك وسوء الظن بدلا من المفاتحة والمصارحة، وحين نشدنا العون من الغريب ونسينا القريب، وحين فتحنا بيوتنا واسواقنا لمنتجات الآخرين وسددناها امام المنتجات العربية والاسلامية، وحين اجزنا لأنفسنا ان نعزو كل نكسة من نكساتنا الى مؤامرة تجيء من وراء الحدود، والى استعمار لا يزال يسكن العقول والارواح.

أيها الأخوة الأعزاء:

إننا لسنا في حاجة الى قمم طارئة تصدر عنها قرارات انفعالية ارتجالية، تموت قبل ان يجف الحبر الذي كتبت به، فحاجتنا الحقيقية هي الى قمم للتأمل والتحليل تصدر عنها قرارات منطقية وواقعية تنفذ وفق جداول زمنية معقولة.

إن الفرصة لم تفلت من ايدينا بعد، ولا يزال بوسعنا ان نشخص الداء ونتلمس الدواء. والداء الذي لا أظننا نختلف على طبيعته، هو الفرقة القاتلة التي ابعدت الجار عن جاره، ونفرت الشقيق من شقيقه. والدواء الذي اعتقد اننا نجمع على فعاليته هو الوحدة التي تعيد الجار الى حمى جاره والشقيق الى حضن شقيقه.

لقد كنا دوما، نسعى الى الوحدة، ولكننا ضللنا الطريق حين عقدنا آمالنا على ترتيبات دستورية شكلية، توضع في فراغ وتنتهي في ضياع، فمسيرتنا الوحدوية يجب ان تتعلم من اخطاء الماضي، كما يجب ان تستفيد من كل التجارب الوحدوية الناجحة.

ان الوحدة الحقيقية لا تنصب على الشكليات، ولكنها تقوم على مشاريع اقتصادية مشتركة تنتظم من اقصاها الى اقصاها، وعلى مناهج دراسية واحدة تنتج جيلا شابا مؤهلا للتعامل مع المتغيرات، وعلى قنوات عربية واسلامية نستطيع عبرها معالجة مشاكلنا بأنفسنا وبدون تدخل الغرباء.

ان المشاكل أمر طبيعي حتى داخل الاسرة الواحدة، والتحدي الحقيقي لا يكمن في طلب المستحيل وتوقع اختفائها، ولكن يكمن في قدرتنا على ايجاد المؤسسات القادرة على التعامل مع الخلافات قبل ان تستفحل، وعلى حلها قبل ان تتفجر.

أيها الاخوة الاعزاء:

ان مهمة التوحيد والتقريب التي تواجهنا في خليجنا العربي، لا تختلف عن المهمة التي تواجهنا على مستوى الامة العربية والاسلامية، فنحن في هذا الخليج جزء لا يتجزأ من الامة العربية والاسلامية

لا يصلح الا بصلاحها،

ولا يتقدم الا بتقدمها.

فعوامل الجوار والتشابه الثقافي والتاريخي والسياسي تسهل مهمتنا في التوحيد والتقريب على مستوى الامة الكبرى، وكل نجاح نحققه في مجلس التعاون، او يحققه اي تنظيم عربي او اسلامي اقليمي آخر، هو في البداية والنهاية، نجاح يصب في مصلحة الامة العربية والاسلامية ويخدم اهدافها.

اننا لا نخجل من القول اننا لم نستطع بعد، ان نحقق الاهداف التي توخيناها حين انشاء المجلس، ولا زلنا بعد اكثر من عشرين سنة من عمل المجلس نسير ببطء لا يتناسب مع وتيرة العصر. والانصاف يقتضي ان نقرر ان دول المجلس استطاعت تحقيق انجازات طيبة، يجيء في مقدمتها حل الاغلبية الساحقة من القضايا الحدودية المعلقة. الا ان الموضوعية والصراحة تتطلب منا ان نعلن ان كل ما تحقق حتى الآن، جزء يسير يذكرنا بالجزء الكبير الذي لم يتحقق، فلم نصل بعد الى انشاء قوة عسكرية واحدة، تردع العدو وتدعم الصديق، ولم نصل بعد الى السوق الواحدة، ولم نتمكن بعد من صياغة موقف سياسي واحد نجابه به كل الازمات السياسية، وهنا ارجو ان تسمحوا لي ان اذكركم ونفسي ان تمسكنا المبالغ فيه بمفهوم السيادة التقليدي هو الذي يقف حجر عثرة امام مساعي التوحيد.

ان اعطاء مجلسنا هذا قدرا اكبر من الصلاحيات لا يعني التنازل عن استقلالنا بقدر ما يعني دعم هذا الاستقلال وترسيخه وصولا الى وحدة عربية واسلامية في المواقف والتوجهات والاهداف، ولنا في الاتحاد الاوروبي نموذج نحسن صنعا لو استأنسنا ببعض ما جاء فيه.

أيها الاخوة الاعزاء:

ان مهمة التوحيد والتقريب هي واجبنا الاساسي على المدى القريب والبعيد، الا ان الظروف الاستثنائية التي نشهدها، هذه الايام، تتطلب تحركا استثنائيا للتعامل معها، فمن الناحية الاقتصادية، شهدت اسعار البترول في الآونة الاخيرة انخفاضا خطيرا يهدد رخاء شعوبنا ورفاه مجتمعاتنا. وهذا الوضع يتطلب منا ان نوحد المواقف والجهود كما فعلنا عندما انخفضت اسعار البترول قبل بضع سنوات، حينما تمكنا وقتها، بفضل الله ثم المواقف الصلبة الواحدة، من تجاوز تلك الازمة، ونحن بحول الله وقوته، قادرون على مواجهة الازمة الراهنة بالمواقف الصلبة ذاتها.

ومن الناحية السياسية، يشهد العالم تطورات خطيرة رأينا كيف بدأت، ولا نعرف كيف ستنتهي. ومن الغني عن الذكر اننا لن نستطيع التأثير في هذه التطورات ما لم نحللها بعقلية واحدة ونتخاطب معها بصوت واحد. ومن الناحية الثقافية، تتعرض اصالتنا الاسلامية العربية لكثير من الضغوط والتأثيرات، وما لم يكن لنا منها موقف واحد فان هويتنا المتميزة يمكن ان تتعرض، لا سمح الله، للتشويه.

لذلك يفرض علينا الواجب ان نتبنى الخطاب الحضاري المعتدل، الذي يستطيع التعامل مع المتغيرات، ودون ان يفرط في الثوابت، فمشروعنا الحضاري القائم على الامتزاج الرائع بين الاسلام والعروبة، هو مشروع يمكن ان يخدم الانسانية جمعاء، اذا استطعنا ان نحسن التمسك به، واحسنا عرضه على بقية الحضارات.

أيها الاخوة الاعزاء:
بتوكلنا على الله ـ عز وجل ـ ثم بمؤازرة من شعوبنا العربية والاسلامية يستطيع القادة ان يمضوا قدما نحو مسيرة التوحيد والتقريب، اذا ما وضعوا نصب اعينهم مخافة الله ثم مصالح امتهم العربية والاسلامية «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز».

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،