الهشام
14-03-2005, Mon 4:11 PM
هيئة السوق المالية والتصّدي لظاهرة «مارثا ستورت» في الأسهم السعودية
د. عبد الملك الحقيل
13/03/2005
تصدرت الأنباء عن خروج السيدة مارثا ستورت من سجن غرب فيرجينيا عناوين الأخبار الأمريكية خلال الأسبوع الماضي ويأتي ذلك بعد انقضاء مدة العقوبة التي أقرها القاضي الفيدرالي بحقها نظرا لتورطها في عملية بيع أسهم أمريكية بناء على معلومات داخلية. وأتطرق هنا لهذه القضية لا لكونها ترتبط بفضيحة تابعتها وسائل الإعلام الأمريكية عن كثب، ونحن بطبيعتنا البشرية نتوق دوما إلى معرفة خفايا الفضائح خصوصا ما يرتبط منها بالمشاهير، ولا لكونها تمس إحدى الشخصيات التي تعاطفت معها شرائح مختلفة من الشعب الأمريكي أثناء المحاكمة. ما دفعني للكتابة عن هذه القضية بالتحديد هو ملامستها لجانب مهم وخطير يتعلق بشكل مباشر بمصداقية الأسواق المالية بشكل عام ويبرز بوضوح للمتعاملين في سوق الأسهم السعودية بشكل خاص.
تعد مارثا ستورت إحدى الشخصيات المحبوبة التي كونت لها قاعدة شعبية عريضة في الولايات المتحدة وذلك بفضل حضورها الإعلامي عبر مجلتها المتخصصة في قضايا ومتطلبات الأسرة وبرنامجها التلفزيوني الذي يحظى بإقبال واسع من المشاهدين هناك. كما أن السيدة ستورت هي إحدى المؤسسين لشركة تحمل اسمها وتعنى بالمستلزمات والأدوات المنزلية والتي يتم بيعها في المحال التجارية في مختلف الولايات الأمريكية. وتكمن أبعاد تلك القضية في استثمار السيدة ستورت في إحدى الشركات الدوائية الأمريكية (امكلون). وكان قد سبق لتلك الشركة أن تقدمت بطلب للجهات المختصة في هيئة مراقبة الأغذية والأدوية الأمريكية لترخيص دواء جديد قامت الشركة بتطويره لعلاج أمراض السرطان. وفي 26 كانون الأول (ديسمبر) 2001 نمى إلى علم مؤسس تلك الشركة (سام واكسل) عزم الجهات المختصة رفض طلب الترخيص مما حدا به إلى محاولة بيع أسهمه التي يمتلكها في الشركة. وفي اليوم التالي وبناء على معلومات تسربت إليها من قبل مدير محفظتها الاستثمارية تفيد بأن السيد واكسل (مؤسس الشركة) قام ببيع أسهمه في الشركة، قامت السيدة ستورت فورا ببيع قرابة الأربعة ألاف سهم التي كانت تمتلكها في هذه الشركة الدوائية. وبالفعل ففي اليوم الثالث تم إعلان خبر رفض طلب الترخيص وكنتيجة متوقعة لمثل هذا الخبر فقد شهد سعر سهم الشركة انخفاضا كبيرا بنسبة تجاوزت 18 في المائة.
بناء على هذه المخالفات لأنظمة السوق المالية الأمريكية، فقد تمت محاكمة مؤسس الشركة السيد واكسل نظرا لاستخدامه معلومات بخصوص رفض طلب الترخيص قبل أن يتم الإعلان عنها رسميا لعموم الجمهور وبيعه لأسهمه بناء على تلك المعلومات. ولكن ما يستحق التوقف هنا هو أنه تمت كذلك محاكمة كل من مارثا ستورت ومدير محفظتها الاستثمارية نتيجة استفادتهم من معلومات أخرى لم تكن أيضا متاحة للجميع ألا وهي بيع مؤسس الشركة لأسهمه، ومثل هذا التصرف يؤخذ غالبا على أنه إشارة سلبية حول مستقبل الشركة. و بعد تحقيقات ومرافعات مطولة، تم الحكم على مؤسس الشركة بالسجن لمدة سبع سنوات وعلى كل من مارثا ستورت ومدير محفظتها بالسجن لمدة خمسة أشهر نظير استخدامهم لمعلومات داخلية.
إن ظاهرة التداول باستخدام معلومات داخلية تمثل إحدى المشكلات الحقيقية التي يعاني منها المتعاملون في سوق الأسهم السعودية فهناك المئات من ''مارثا ستورت'' في السوق السعودية. ويقصد بالتداول بناء على معلومات داخلية استخدام معلومات داخلية ذات طبيعة مهمة وتأثير جوهري على سعر سهم الشركة ولكن لم يتم الإعلان عنها للأطراف الخارجية مما يتيح لمستخدمي تلك المعلومات فرصة تحقيق أرباح أو تفادي وقوع خسائر نتيجة تأثير تلك المعلومات على سعر سهم الشركة صعودا أو انخفاضا. وبدون الحاجة إلى تحديد أسماء شركات بعينها أو التذكير بحالات حدثت في الآونة الأخيرة، فإن جميعنا يلاحظ بين الفينة والأخرى تغيرات في أسعار أسهم بعض الشركات بشكل يصعب تفسيره، ثم نفاجأ بعد ذلك بإعلان من الشركة يظهر بعد أيام أو ربما مجرد ساعات يبرر تلك التغيرات السعرية. ولعل من الأمثلة التقليدية للمعلومات الداخلية المؤثرة على أسعار الأسهم عزم مجالس الإدارة التقدم بطلب رفع رأس المال أو منح أسهم مجانية أو توزيع أرباح غير متوقعة أو تحقيق خسائر مفاجئة.
نحن نتفق جميعا على أنه من حق كل من كرس طاقاته لدراسة الوضع المالي للشركة في السنوات السابقة و اجتهد في تصور مستقبلها أن يكافأ بتحقيق أرباح مجزية. وكذلك الحال بالنسبة لكل من بذل جهودا مضنية في متابعة تحركات أسعار الأسهم واستنتاج توجهاتها المستقبلية أن يحظى بمثل تلك المكافأة. ولكن يجب أن لا يتاح المجال لمن يحقق مكاسب عالية في فترة قصيرة لا لشيء سوى لإطلاعه على معلومة لم يكن من الواجب أن يطلع عليها ولكنها كفلت له تحقيق أرباح على حساب غيره من عموم المستثمرين.
إن ظاهرة التداول بناء على معلومات داخلية تمس بشكل مباشر مصداقية السوق وتتعارض مع مبدأ العدالة التي يجب أن تتاح لكافة المتعاملين في السوق. ولقد تصدت هيئة السوق المالية لهذه المشكلة حين حددت من مهامها الرئيسية ''حماية المستثمرين من الممارسات غير العادلة وغير السليمة التي تنطوي على احتيال أو خداع، أو غش، أو تلاعب، أو التداول بناءً على معلومات داخلية''. كما تم تخصيص الباب الرابع من لائحة سلوكيات السوق التي أصدرتها هيئة السوق المالية للتداول بناء على معلومات داخلية. ولكن يبقي التحدي الأكبر ليس في سن الأنظمة فحسب وإنما في ترجمتها إلى أرض الواقع.
لعل من العقبات الرئيسية التي تقف حاجزا أمام التصدي لمشكلة التداول بناء على معلومات داخلية تعدد القنوات التي يمكن من خلالها تسريب المعلومات الداخلية بدءا من موظفي الشركات أو أعضاء مجالس الإدارة ومرورا بمراجع الحسابات أو المكاتب الاستشارية التي تقدم خدمات خاصة للشركة (مثل تقويم الشركة لأغراض تحديد علاوة الإصدار) وانتهاء بوسطاء التداول الذين ينفذون الأوامر أو حتى الجهات الرقابية التي تنظر في قرارات تتعلق بالشركة. ومن ثم فإن عملية الرقابة على تسرب تلك المعلومات تعد أمرا في غاية الصعوبة ما لم تقترن الأنظمة التي يتم وضعها بتطبيق العقوبات الرادعة التي تجعل من تسريب أو استغلال المعلومات الداخلية أمرا لا يجرأ الكثيرون على المجازفة والخوض فيه.
إن شعبية السيدة ستورت ومحدودية حجم الأسهم التي كانت تمتلكها واكتفاءها باستخدام المعلومة الداخلية دون تسريبها لأطراف أخرى كل ذلك لم يشفع لها من أن تسلم من الملاحقة القضائية والعقوبة التي نتجت عنها وذلك نظرا لخطورة وحساسية الفعل الذي ارتكبته ألا وهو التداول بناء على معلومات داخلية. وعليه فإن القضايا التي تشابه قضية السيدة ستورت تؤكد لنا أن الحد من مشكلة تسريب واستخدام المعلومات الداخلية في السوق السعودية لن يبدأ إلا من خلال قيام هيئة السوق المالية في فرض العقوبات الصارمة والعلنية في حق مرتكبي تلك التجاوزات.
إن ثمة فرقا شاسعا بين واقع سوق الأسهم السعودية من حيث التعامل بناء على معلومات داخلية وبين واقع السوق الأمريكية كما تصوره وقائع قضية مارثا ستورت. وهذا أمر طبيعي فهيئة السوق المالية لم يتجاوز عمرها الفعلي السنة الواحدة في حين أن مثيلتها في السوق الأمريكية تزاول نشاطها منذ أكثر من سبعة عقود. ولكن هذا لا يعني أنه لا يجب بذل الجهود الحثيثة نحو تحقيق ما سبقنا إليه غيرنا في الأسواق المالية المتقدمة وأن نبدأ من حيث أنتهى الآخرون لا من حيث بدأوا.
إن على هيئة السوق المالية مسؤولية ندرك جميعا أنها في غاية الصعوبة لتحقيق الأهداف التي رسمتها لحماية المستثمرين. كما أن التداول باستخدام معلومات داخلية يمثل مشكلة حقيقة يتضرر منها كثير من المتعاملين في السوق السعودية وهذه المشكلة جديرة بأن توضع على قائمة أولويات هيئة سوق المال. وهذا الأمر يتطلب وضع استراتيجية واضحة ومحددة لكيفية التعامل مع مشكلة التداول بناء على معلومات داخلية ومن ثم وضع الأساليب وتوقيع العقوبات التي تكفل تطبيق تلك الاستراتيجية بشكل تدريجي ومنطقي يأخذ في عين الاعتبار ثقافة وواقع المتعاملين في السوق. وقد يكون من الملائم أن تخصص الهيئة لهذه المهمة جهازا أو فريقا يعنى بالبحث والتحري عن مثل تلك التجاوزات ومن ثم القيام بتطبيق أية عقوبات أو ملاحقات قضائية لتكون رادعا للكثير من المستفيدين من تلك المخالفات ودلالة واضحة على جدية الهيئة في التصدي لتلك المشكلة. كل ذلك من شأنه المساهمة في ترجمة الأنظمة التي تم سنها واللوائح التنفيذية التي تم إصدارها إلى واقع ملموس يكفل للمتعاملين في السوق العدالة التي ينشدونها وتجعلهم أكثر اطمئنانا لاستثمار مدخراتهم في هذه السوق.
http://stage.eqt-srpc.com/AswaqList.asp?NewsID=1126#Scene_1
د. عبد الملك الحقيل
13/03/2005
تصدرت الأنباء عن خروج السيدة مارثا ستورت من سجن غرب فيرجينيا عناوين الأخبار الأمريكية خلال الأسبوع الماضي ويأتي ذلك بعد انقضاء مدة العقوبة التي أقرها القاضي الفيدرالي بحقها نظرا لتورطها في عملية بيع أسهم أمريكية بناء على معلومات داخلية. وأتطرق هنا لهذه القضية لا لكونها ترتبط بفضيحة تابعتها وسائل الإعلام الأمريكية عن كثب، ونحن بطبيعتنا البشرية نتوق دوما إلى معرفة خفايا الفضائح خصوصا ما يرتبط منها بالمشاهير، ولا لكونها تمس إحدى الشخصيات التي تعاطفت معها شرائح مختلفة من الشعب الأمريكي أثناء المحاكمة. ما دفعني للكتابة عن هذه القضية بالتحديد هو ملامستها لجانب مهم وخطير يتعلق بشكل مباشر بمصداقية الأسواق المالية بشكل عام ويبرز بوضوح للمتعاملين في سوق الأسهم السعودية بشكل خاص.
تعد مارثا ستورت إحدى الشخصيات المحبوبة التي كونت لها قاعدة شعبية عريضة في الولايات المتحدة وذلك بفضل حضورها الإعلامي عبر مجلتها المتخصصة في قضايا ومتطلبات الأسرة وبرنامجها التلفزيوني الذي يحظى بإقبال واسع من المشاهدين هناك. كما أن السيدة ستورت هي إحدى المؤسسين لشركة تحمل اسمها وتعنى بالمستلزمات والأدوات المنزلية والتي يتم بيعها في المحال التجارية في مختلف الولايات الأمريكية. وتكمن أبعاد تلك القضية في استثمار السيدة ستورت في إحدى الشركات الدوائية الأمريكية (امكلون). وكان قد سبق لتلك الشركة أن تقدمت بطلب للجهات المختصة في هيئة مراقبة الأغذية والأدوية الأمريكية لترخيص دواء جديد قامت الشركة بتطويره لعلاج أمراض السرطان. وفي 26 كانون الأول (ديسمبر) 2001 نمى إلى علم مؤسس تلك الشركة (سام واكسل) عزم الجهات المختصة رفض طلب الترخيص مما حدا به إلى محاولة بيع أسهمه التي يمتلكها في الشركة. وفي اليوم التالي وبناء على معلومات تسربت إليها من قبل مدير محفظتها الاستثمارية تفيد بأن السيد واكسل (مؤسس الشركة) قام ببيع أسهمه في الشركة، قامت السيدة ستورت فورا ببيع قرابة الأربعة ألاف سهم التي كانت تمتلكها في هذه الشركة الدوائية. وبالفعل ففي اليوم الثالث تم إعلان خبر رفض طلب الترخيص وكنتيجة متوقعة لمثل هذا الخبر فقد شهد سعر سهم الشركة انخفاضا كبيرا بنسبة تجاوزت 18 في المائة.
بناء على هذه المخالفات لأنظمة السوق المالية الأمريكية، فقد تمت محاكمة مؤسس الشركة السيد واكسل نظرا لاستخدامه معلومات بخصوص رفض طلب الترخيص قبل أن يتم الإعلان عنها رسميا لعموم الجمهور وبيعه لأسهمه بناء على تلك المعلومات. ولكن ما يستحق التوقف هنا هو أنه تمت كذلك محاكمة كل من مارثا ستورت ومدير محفظتها الاستثمارية نتيجة استفادتهم من معلومات أخرى لم تكن أيضا متاحة للجميع ألا وهي بيع مؤسس الشركة لأسهمه، ومثل هذا التصرف يؤخذ غالبا على أنه إشارة سلبية حول مستقبل الشركة. و بعد تحقيقات ومرافعات مطولة، تم الحكم على مؤسس الشركة بالسجن لمدة سبع سنوات وعلى كل من مارثا ستورت ومدير محفظتها بالسجن لمدة خمسة أشهر نظير استخدامهم لمعلومات داخلية.
إن ظاهرة التداول باستخدام معلومات داخلية تمثل إحدى المشكلات الحقيقية التي يعاني منها المتعاملون في سوق الأسهم السعودية فهناك المئات من ''مارثا ستورت'' في السوق السعودية. ويقصد بالتداول بناء على معلومات داخلية استخدام معلومات داخلية ذات طبيعة مهمة وتأثير جوهري على سعر سهم الشركة ولكن لم يتم الإعلان عنها للأطراف الخارجية مما يتيح لمستخدمي تلك المعلومات فرصة تحقيق أرباح أو تفادي وقوع خسائر نتيجة تأثير تلك المعلومات على سعر سهم الشركة صعودا أو انخفاضا. وبدون الحاجة إلى تحديد أسماء شركات بعينها أو التذكير بحالات حدثت في الآونة الأخيرة، فإن جميعنا يلاحظ بين الفينة والأخرى تغيرات في أسعار أسهم بعض الشركات بشكل يصعب تفسيره، ثم نفاجأ بعد ذلك بإعلان من الشركة يظهر بعد أيام أو ربما مجرد ساعات يبرر تلك التغيرات السعرية. ولعل من الأمثلة التقليدية للمعلومات الداخلية المؤثرة على أسعار الأسهم عزم مجالس الإدارة التقدم بطلب رفع رأس المال أو منح أسهم مجانية أو توزيع أرباح غير متوقعة أو تحقيق خسائر مفاجئة.
نحن نتفق جميعا على أنه من حق كل من كرس طاقاته لدراسة الوضع المالي للشركة في السنوات السابقة و اجتهد في تصور مستقبلها أن يكافأ بتحقيق أرباح مجزية. وكذلك الحال بالنسبة لكل من بذل جهودا مضنية في متابعة تحركات أسعار الأسهم واستنتاج توجهاتها المستقبلية أن يحظى بمثل تلك المكافأة. ولكن يجب أن لا يتاح المجال لمن يحقق مكاسب عالية في فترة قصيرة لا لشيء سوى لإطلاعه على معلومة لم يكن من الواجب أن يطلع عليها ولكنها كفلت له تحقيق أرباح على حساب غيره من عموم المستثمرين.
إن ظاهرة التداول بناء على معلومات داخلية تمس بشكل مباشر مصداقية السوق وتتعارض مع مبدأ العدالة التي يجب أن تتاح لكافة المتعاملين في السوق. ولقد تصدت هيئة السوق المالية لهذه المشكلة حين حددت من مهامها الرئيسية ''حماية المستثمرين من الممارسات غير العادلة وغير السليمة التي تنطوي على احتيال أو خداع، أو غش، أو تلاعب، أو التداول بناءً على معلومات داخلية''. كما تم تخصيص الباب الرابع من لائحة سلوكيات السوق التي أصدرتها هيئة السوق المالية للتداول بناء على معلومات داخلية. ولكن يبقي التحدي الأكبر ليس في سن الأنظمة فحسب وإنما في ترجمتها إلى أرض الواقع.
لعل من العقبات الرئيسية التي تقف حاجزا أمام التصدي لمشكلة التداول بناء على معلومات داخلية تعدد القنوات التي يمكن من خلالها تسريب المعلومات الداخلية بدءا من موظفي الشركات أو أعضاء مجالس الإدارة ومرورا بمراجع الحسابات أو المكاتب الاستشارية التي تقدم خدمات خاصة للشركة (مثل تقويم الشركة لأغراض تحديد علاوة الإصدار) وانتهاء بوسطاء التداول الذين ينفذون الأوامر أو حتى الجهات الرقابية التي تنظر في قرارات تتعلق بالشركة. ومن ثم فإن عملية الرقابة على تسرب تلك المعلومات تعد أمرا في غاية الصعوبة ما لم تقترن الأنظمة التي يتم وضعها بتطبيق العقوبات الرادعة التي تجعل من تسريب أو استغلال المعلومات الداخلية أمرا لا يجرأ الكثيرون على المجازفة والخوض فيه.
إن شعبية السيدة ستورت ومحدودية حجم الأسهم التي كانت تمتلكها واكتفاءها باستخدام المعلومة الداخلية دون تسريبها لأطراف أخرى كل ذلك لم يشفع لها من أن تسلم من الملاحقة القضائية والعقوبة التي نتجت عنها وذلك نظرا لخطورة وحساسية الفعل الذي ارتكبته ألا وهو التداول بناء على معلومات داخلية. وعليه فإن القضايا التي تشابه قضية السيدة ستورت تؤكد لنا أن الحد من مشكلة تسريب واستخدام المعلومات الداخلية في السوق السعودية لن يبدأ إلا من خلال قيام هيئة السوق المالية في فرض العقوبات الصارمة والعلنية في حق مرتكبي تلك التجاوزات.
إن ثمة فرقا شاسعا بين واقع سوق الأسهم السعودية من حيث التعامل بناء على معلومات داخلية وبين واقع السوق الأمريكية كما تصوره وقائع قضية مارثا ستورت. وهذا أمر طبيعي فهيئة السوق المالية لم يتجاوز عمرها الفعلي السنة الواحدة في حين أن مثيلتها في السوق الأمريكية تزاول نشاطها منذ أكثر من سبعة عقود. ولكن هذا لا يعني أنه لا يجب بذل الجهود الحثيثة نحو تحقيق ما سبقنا إليه غيرنا في الأسواق المالية المتقدمة وأن نبدأ من حيث أنتهى الآخرون لا من حيث بدأوا.
إن على هيئة السوق المالية مسؤولية ندرك جميعا أنها في غاية الصعوبة لتحقيق الأهداف التي رسمتها لحماية المستثمرين. كما أن التداول باستخدام معلومات داخلية يمثل مشكلة حقيقة يتضرر منها كثير من المتعاملين في السوق السعودية وهذه المشكلة جديرة بأن توضع على قائمة أولويات هيئة سوق المال. وهذا الأمر يتطلب وضع استراتيجية واضحة ومحددة لكيفية التعامل مع مشكلة التداول بناء على معلومات داخلية ومن ثم وضع الأساليب وتوقيع العقوبات التي تكفل تطبيق تلك الاستراتيجية بشكل تدريجي ومنطقي يأخذ في عين الاعتبار ثقافة وواقع المتعاملين في السوق. وقد يكون من الملائم أن تخصص الهيئة لهذه المهمة جهازا أو فريقا يعنى بالبحث والتحري عن مثل تلك التجاوزات ومن ثم القيام بتطبيق أية عقوبات أو ملاحقات قضائية لتكون رادعا للكثير من المستفيدين من تلك المخالفات ودلالة واضحة على جدية الهيئة في التصدي لتلك المشكلة. كل ذلك من شأنه المساهمة في ترجمة الأنظمة التي تم سنها واللوائح التنفيذية التي تم إصدارها إلى واقع ملموس يكفل للمتعاملين في السوق العدالة التي ينشدونها وتجعلهم أكثر اطمئنانا لاستثمار مدخراتهم في هذه السوق.
http://stage.eqt-srpc.com/AswaqList.asp?NewsID=1126#Scene_1