المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من يقطع الأرزاق ؟!



الطير
11-03-2005, Fri 10:12 AM
يكاد روتين الحياة اليومية يخرجنا من بعض المعاني التي لا بد من تذكرها بين الفينة والأخرى لإحياء معنى الإيمان الحقيقي والمستقر في القلب، ويكاد السعي اللاهث وراء الرزق أو قل (لقمة العيش) يستغرق فكر الكثير من الناس، ولا عيب في العمل والاجتهاد،

ولكن المشكلة تكمن في هذا القلب الذي يجب أن يطمئن إلى أن الأرزاق جميعها بيد الله تعالى، ولا تتعدى مهمة الناس سوى أن يكونوا أسباباً لمجيء هذا الرزق أو ذهابه، أو هم وسطاء جعلهم الله طريقاً لوصول أرزاق إلى ناس، وذهابها من أناس آخرين. والمتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم: ''لو أنكم تتوكلون على اللَّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً'' رواه الترمذي وحسّنه.

فالطيور تغدو صباحاً وهي خماص، أي بطونها فارغة، وتعود مساء إلى أعشاشها وبطونها مليئة من رزق الله تعالى، وفي هذا التشبيه نجد الإعجاز البلاغي والعقلي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالطير من أضعف المخلوقات وليست لها دفاعات عن نفسها، ولكنها وفي الوقت نفسه تطير بجناحين يجعلانها في عمل دؤوب للبحث عن الرزق،

وفي هذا الحديث معنيان هامان:
1- أن الرزق مكفول لكل مخلوق مهما كان ضعيفاً أو قاصراً عن الآخرين في تحصيل الرزق الوفير.
2- أن العمل شرط أساسي لاستجلاب الرزق، ولكنه ليس بالضرورة سبباً في حصوله،

وبالتالي لا يفهم من المعنى الأول التواكل على أن الرزق قادم لا محالة، بل إن التوكل بعد العمل وبذل الجهد هو الشرط الذي يأتي من بعده حصول الرزق المكفول. لذلك قال العلماء: ترك العمل بالأسباب معصية، أما الاعتماد على الأسباب فهو شرك! وفي هذا يقول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم (40).

وبعد فهم هذا المعنى بكل أبعاده، يزول من صدر الإنسان أكبر منغصين للحياة وهما: الهم والحزن..

أما الهم فهو انشغال القلب بما هو آت في المستقبل، وانشغال الفكر بتأمين الحياة وأرزاقها ومتطلباتها، وكأن الله تعالى نسينا في الأيام الماضية حتى ينسانا في الأيام المقبلة! وحاشا لله جل وتعالى.

أما الحزن فهو الحسرة والندم على الماضي، ومن ضعف الإيمان أن يعتقد الإنسان أن رزقه هو ثمرة لجهده، فيعتقد أنه لو فعل كذا أو دخل في تجارة كذا لكانت أرباحه تتضاعف أو أمواله تتزايد..
أما الاطمئنان النفسي، فهو أمر عجيب، يجعل المرء يضع الدنيا وهمومها وراء ظهره، ويلتفت إلى ما هو مقدم عليه بعد هذه الحياة، ولذلك تأتيه الأرزاق من حيث لا يعلم، لأنه لم يعمل لها حساباً مسبقاً، ولا أشغل نفسه وأقلق باله بالتفكير والهم بها، ولا نقصد بهذا بالطبع ترك التخطيط والتفكير بالمستقبل، ولكننا نقصد انشغال الفكر والهم والحصر.

وإذا فهمنا هذه القضية جيداً فلماذا يستاء كثير من الناس من مسؤوليهم إذا أقالوهم من أعمالهم، وسرعان ما يقال عن ذلك المسؤول إنه قطع رزق فلان! وهل يملك أحد أن يقطع رزق أحد!

إن السؤال الذي يجب أن يسأل والحال هذه: هل يملك أحد أن يضمن رزق أحد؟! فإذا كان الجواب بالنفي، فلا يملك من لا يرزق أن يقطع الرزق!،
وقد قال الله تعالى: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) الذاريات (22). وقال أيضاً: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) يونس (31).

فلنتوكل على الله تعالى كما تتوكل الطير، ولنعمل كما تعمل الطير، وأظننا نحن

د. طارق محمد السويدان